أثبتت وزارة الداخلية كالعادة أنها قادرة على تتبع الجماعات الإرهابية وخلاياها وملاحقتها في أي مكان ومهما كانت درجة الاحتياطات التي تبديها تلك الجماعات بالتخفي أو المراوغة، وذلك من خلال نجاحها في وقت قصير بالإطاحة بالخلية التي غدرت بالرقيب الشهيد بدر الرشيدي – رحمه الله – وكان مسرح العملية في منطقة صحراوية نائية وغير مأهولة بالسكان، ما يوضح ضخامة وصعوبة تتبع مثل هذه الخلايا وملاحقتها في منطقة شاسعة ومترامية الأطراف مثل المملكة العربية السعودية. وهذا يدل على احترافية رجال الأمن البواسل من قوات الطوارئ والمباحث العامة الذين ما زالوا يثبتون في كل حادثة بأنهم قادرون على مواجهة التهديدات الإرهابية والتصدي لها بكل قوة واحترافية بقيادة قيصر الحرب على الإرهاب سمو ولي العهد حفظه الله .
إلّا أن جهود وزارة الداخلية لن تكون كافية وحدها لمواجهة مخاطر الإرهاب التي تُهدد الأمن والسِلْم الاجتماعي في المملكة؛ لأن وظيفة وزارة الداخلية تقتصر على جزّ النباتات السامة التي تنمو فوق الأرض، إلا أنها ليست معنية باقتلاع جذور تلك النباتات لأن ذلك من مهام وزارات ومؤسسات حكومية أخرى يأتي على رأسها وزارة الشؤون الإسلامية التي لم تقم بجهود ملموسة في مواجهة الغلاة في المناشط التي تُشرِف عليها، ولم تقُم بتطهير المنابر من دعاة الفتنة والمحرضين على الإرهاب والعنف والتطرف، وظلّت عاجزة عن مواجهتهم وإبعادهم من مواقع التأثير على الناس، ومازلنا في كل جمعة نسمع أصواتهم تجأر بخطاب العنف والتطرف الذي هو في حقيقته مولد للإرهاب ومحرِّض عليه، ومازلنا ايضاً نشاهد إعلانات لمحاضرات وندوات دينية تُقام بإشراف الوزارة يتصدرها أُناس لا علاقة لهم بخطاب الوسطية والتعايش وقيم الإسلام المعتدل، بلْ عُرِفوا بخطاب التأجيج والعنصرية والطائفية، وتتكرر هذه المشاهد على مستوى مناطق المملكة دون رقيب أو حسيب من الوزارة.
كما أن هناك دورا مهما ومحوريا لوزارة التعليم لابد أن يتنبه له قياداتها وعلى رأسهم معالي الوزير – الذي تقلّد الوزارة حديثاً – والذي نتمنى أن يكون لمواجهة التطرف دور رئيسي في برنامج وزارته، وأن يُترجَم ذلك في إعادة كتابة المناهج الدراسية على وحيِ من القيم الإنسانية المُجرَّدة وتربية النشء على التسامح ونبذ الكراهية وتطهير المدارس من المعلمين الغُلاة الذين يُلقنون أطفالنا قيم التشدد والتطرف الديني. وذلك كله لابد أن يكون ضمن خطة واضحة المعالم لوزارة التعليم مرتبطة ببرنامج زمني لأننا أضعنا الكثير من الوقت في الفترات السابقة حتى داهم الإرهاب بيوتنا، فلا أعتقد أن المجتمع قادر على التحمل والانتظار أكثر مما مضى لأننا نمر بفترة حرجة لابد لكل مسؤول أن يكون على قدر المسؤولية ونواجه هذه التحديات بعيداً عن التسويف والخطط الورقية المعلبة.
مواجهة خلية مسلحة والقضاء عليها يدل على فشل وتقاعس تلك الوزارات في العمل الوقائي الذي هو جزء أساسي من المعركة ضد الارهاب لان كل تلك الاسماء والصور التي اعلنتها وزارة الداخلية لإرهابيين محتملين؛ مرت على مدرسة ومسجد، وكان يفترض ان يُسمع فيها خطاب ينزع غلواء التطرف من قلوبهم الا أن من كان هناك فشل في ذلك، أو كان أحد مَن ساهم في تأجيج تلك النار في صدورهم حتى تصدروا نشرات الاخبار بجرائم تقشعر لها الأبدان.. ويبقى الحبل على الجرار ما لم نطهّر مدارسنا ومساجدنا من الغلاة.
الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1437 هـ – 15 مارس 2016م