إبراهيم مواطن صالح لم يدخل في حياته محكمة ولم يلج مركز شرطة قط عدا مرة كان يُبلّغ عن واقعة سرقة مجموعة من دبات الغاز من بيته وندم أن بلغ لأنه لا يريد ان يشغل رجال الأمن عن قضاياهم الكبرى.
قرر هذا المواطن الصالح ان يبيع فيلا يمتلكها في حي الحمراء في الرياض وذهب كأي مواطن صالح لمكتب عقاري يعرض فيلته عليه، وبعد أيام اتصل عليه المكتب العقاري يخبره بأن هناك مشترياً جاداً و(كاش) يريد ان يبتاع منزله وبعد ان فرغ صاحبنا من صلاة العصر في المسجد القريب من بيته ذهب لمقابلة المشتري المفترض في المكتب العقاري وانتظره هناك لبرهة ثم رأه مقبلاً عليهم وقد نزل من سيارة فارهة مهيبة ودخل المكتب تعلوه هالة الاثرياء الانقياء وزاده مهابة عندما استرسل بالحديث عن نفسه وحكاياته مع اسماء تقشعر لها ابدان المواطنين الصالحين امثال صاحبنا ابراهيم الذي احس ان هذا الهامور الذي امتزجت عروقه بالماء سيكون افضل من يتعاقد معه لشراء منزله وتمت البيعة بإيجاب وقبول وفق المعايير الشرعية إلا ان ذلك الهامور اصر ان يستلم البيت غداً الذي يصادف اجازة رسمية لانه لا يريد ان ينتظر بعد ان قرر نقل استثماراته الضخمة الى الرياض وانه سيكون في الساعة الثامنة من صباح الأحد أمام كتابة العدل الأولى وقام بالطبطبة على كتف المواطن الصالح ابراهيم ان لا تخف (فأنا احرص على مالك منك) واخرج دفتر شيكاته وكتب له شيكاً بكامل المبلغ يستطيع ان يصرفه فوراً ثم همس في أذنه بأنه اذا صرفه فعليه ان يحضر وصلا من البنك ليثبت امام كاتب العدل ان الثمن قد سُدد ثم وصف له عنوان كتابة العدل وأوصاه بمحل (الفول والتميس) الذي بجوارها والذي يقترحه لتناول وجبة الافطار في يوم الاحد المنشود.
المواطن الصالح ابراهيم لم يثق بذلك الرجل تمام الثقة وانما – وبما انه مواطن صالح – كانت ثقته بقانون الدولة وان الشيك هو بمثابة النقد وان تحرير شيك بدون رصيد هي جريمة من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف هكذا قال له احد المحامين الذين يراهم كثيراً في الاعلام لذا سلّم منزله مقابل ذلك الشيك الذي تبين أنه شيك بلا رصيد.
توجه صاحبنا الى الشرطة لتقديم بلاغ ضد جريمة من الجرائم الكبرى كما نصحه المحامي وبعد ان اكتشف انه وقع في فخ كبير وامام نصاب محترف واخذ البلاغ دورته وادرجوا ذلك الهامور ذي السيارة الفارهة في قوائم (المطلوبين) وارسلت له عدة بلاغات من الشرطة بشكل روتيني والغريبة انه دائما لم يكن في المنزل وبعض الاحيان يجيبهم بأنه منشغل في (مزاين ام رقيبة) وبعد ستة اشهر تدخل مدير شرطة منطقة الرياض وخلال ساعات تم القبض عليه في سوق منزوٍ في حي النسيم وفرح مواطننا الصالح وفرح معه اقرباؤه الذين عايشوا قضيته ومنهم المحامي الذي يخرج في الاعلام ويثرثر كثيراً عن سيادة القانون الا انه وبعد تسليمه لمركز الشرطة اطلق سراحه لانه تمت ازالة اسمه من لائحة القبض وبعد التحري وجدوا ان السبب هو خطاب صادر من ملازم قضائي لدى القاضي الذي ينظر قضية (مدنية) بإخلاء المنزل والذي رفعها المواطن الصالح ابراهيم بناء على نصيحة من ذلك المحامي الثرثار واللعبة ان المشتري قال للملازم القضائي انه بسبب هذه الدعوى (المدنية بالاخلاء) تم ايقاف خدماتي وادراجي في لائحة القبض وانا مستعد لحضور كل الجلسات وكتب تعهداً ممهوراً بتوقيعه مع ان محاميه كان يحضر كل الجلسات، ودلّس على فضيلته بأن سبب ادراجه في لائحة القبض كان بسبب هذه الدعوى لا بسبب جريمة جنائية تتمثل في تحرير شيك بدون رصيد وقام القاضي باصدار خطاب (نموذجي) بكف البحث عنه وذيله بالعبارة الشهيرة؛ (مالم يكن مطلوباً بقضايا اخرى) وقامت الشرطة بكف البحث عنه مع انها تعلم علم اليقين بأنه مطلوب بقضية جنائية لا قضية مدنية وان قاضي المحكمة العامة لا يملك النظر ولائيا في قضايا الشيكات بدون رصيد وانما لجنة الاوراق التجارية هي صاحبة الولاية في نظرها وهيئة التحقيق والادعاء العام هي من يحركها وقد اصدرت خطابين لادراج ذلك الهامور في لائحة القبض الا ان مركز الشرطة وشرطة المنطقة لم يستجيبا لسبب لا احد يريد أن يبوح به.
ولازالت المعاملة تدور دائرة بيروقراطية لا نهاية لها ولا زال ذلك المواطن الصالح الواثق بقانون بلده يتحسر وهو يشاهد مغتصب منزله يتراقص فيه هو واصدقاؤه على شيلة (واتسبدي اللي من الهجران منفطرة) ومع ذلك وبما ان ابراهيم مواطن صالح فلا يريد ان يقول للناس؛ لا تثقوا بالنظام، وانما اصر على مواصلة اللهث خلف السراب لاستعادة منزله، كونوا مثل ابراهيم.
الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1437 هـ- 1 مارس 2016م