وسط المساجلات الساخنة التي دارت في الإعلام حول ملف المحرضين على القتال في سوريا، الذي قص شريطه الأستاذ داود الشريان؛ جاءت العبارة التي أطلقها أحد الوعاظ وتم تداولها على نطاق واسع وأخذت حيزاً من التعليق لما تحويه من محتوى كارثي، حيث قال ذلك الواعظ الثري رداً على المنكرين له على تحريضه الشباب على الموت هناك: (كم مات في التزلج على الجليد وفي الراليات وفي التفحيط والمخدرات.. وأنت خايف على خمسة أو ستة يموتون «في الجهاد»!! فليموتوا…).
المقطع وكما قلت أخذ حظه من التعليق من حيث المحتوى، لكن ما لفت نظري فيه هو عبارة (التزلج على الجليد) التي أحسست أنها جاءت نشازاً وسط بقية المفردات التي نعرفها ونعرف مضامينها، فيمكن أن تتفهم كلمة الدرباوية والتفحيط والراليات، أو حتى يمكن أن تتفهم كيف يموت الإنسان من ضربة الشمس الحارقة في (قوايل) نجد، أو لو أنه استخدم كلمة (المشق) التي تعني –لمن لا يعرفها– تشققات عميقة في أسفل القدم وفي اليدين وأحياناً في الوجه جراء عوامل التعرية، فكل ما سبق هي مفردات متداولة في قاموسنا المحلي ويدرك المتلقي المقصود منها، لكن أن يحشر عبارة (التزلج على الجليد) وسط تلك المفردات الموغلة في المحلية؛ أمر غير مفهوم على الإطلاق، فهي مفاهيم دخيلة على مجتمعنا الصحراوي الذي لا علاقة له لا بالجليد ولا بالتزلج عليه، ولا يعرف كيف يموت الأثرياء في جبال الألب وهم يمارسون هواية التزلج على الجليد، بل إن كثيرين منا قد لا يدركون أن هناك هواية يقال لها هواية التزلج على الجليد، فهو يعتقد أن الهوايات محصورة في المراسلة وجمع الطوابع، فهي الهوايات الكلاسيكية التي نكررها عندما كان جيل ذلك الواعظ يراسلون المجلات العربية وتحديداً في ركن (التعارف) في ذلك الزمن الجميل قبل أن يتعرفوا على الجليد وعلى جبال الألب، وعلى منطقة (كورشفيل) التي أسرت قلوب الدعاة.
تلك الجملة العابرة التي جاءت في سياق (شرعنة التحريض) على إرسال شبابنا إلى بؤر الموت؛ اختزلت كل ما يمكن أن يقال عن حالة الترف التي يتقلب فيها دعاة الموت؛ فبعد حياة التقشف وأحاديث الزهد التي كانوا يوهمون الناس بها، ظهرت حياتهم الحقيقية حيث اليخوت الفاخرة والتصييف في بلاد الثلج والشواطئ الباردة، فهم يرسلون أولادهم إلى مدارس تعليم التزلج على الجليد التي تحدث عنها ذلك الواعظ، بينما يرسلون أبناء المسلمين إلى مدارس القتل والتكفير، والكارثة العظمى أنه مازال هناك من يصدق دموع التماسيح التي «يسيحونها» بسخاء أمام الكاميرات وفي الفضائيات.